الجمعة 10 ذو الحجة 1441هـ

الموافق 31 يوليو 2020 م

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كلّما ضجَّت الأصواتُ بالدعوات، الله أكبر كلّما تقرَّب العابدون بالصالحات، الله أكبر كلَّما تعرَّضوا لنفحاتِ الرحمن في عرفات، وكلّما سفَحت الأعين هنالك من العَبَرات، الله أكبر كلَّما تعاقب النورُ والظلُمات، الله أكبر عددَ ما خلق في السماء، الله أكبر عدَدَ ما خلَق في الأرض، الله أكبر عدَدَ كلِّ شيء، الله أكبر ملءَ كلِّ شيء، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً… الحمد لله الذي عطر الألسنة بذكره، وشغل القلوب بحبه، لا إله إلا الله الكبير المتعال، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الأعياد مواسم الإحسان والرضوان، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بصفوة الأديان، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: ها نحن نعيش في صباح يوم عيد الأضحى المبارك، وهذا اليوم هو يوم تهليل وتكبير وتحميد، يوم خصّه الله تعالى بشعائره وشرفه بمآثره، يوم فيه توصل الأرحام، ويتبدل الخصام إخاءً بين المسلمين.

ها هو يوم النحر، يطل علينا ليذكرنا بالمعاني الفاضلة، والأخلاق السامية الكريمة؛ ليذكرنا بقصة من قصص القرآن الكريم، هذه القصة تحدثنا عن خلق من أخلاق الإسلام، ألا وهو الرضا بقضاء الله تعالى وتسليم الأمر إليه سبحانه، هذه القصة تحدثنا عن موقف مؤثر لنبيين كريمين من أنبياء الله تعالى، وكيف كانت شدة امتثالهما وصبرهما وتسليمهما لأوامر الله تعالى؛ إنها قصة البلاء المبين، قصة سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل عليهما السلام، وكلنا يعرف قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام الشيخ الكبير الذي طالما دعا الله وألح عليه أن يهب له غلاماً يعينه في هذه الحياة، فاستجاب الله له، فرزقه في كبره وهرمه، بغلام طالما تطلع إليه، ولكن بعدما بلغ معه السعي ماذا جرى يا ترى؟ ولنسمع إلى كتاب الله وهو يقص لنا مشهداً رائعاً ومؤثراً: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ، رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)، فماذا كان جواب الغلام الحليم؟ (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ…)

إنه الجواب السديد من غلام ملأ اليقين قلبه وأفاض الإيمان على جوارحه، فكان في غاية التسليم لأمر الله عز وجل.. يا لله ما أعظمه من موقف! وما أعظمه من إيمان! وما أعظمها من طاعة وتسليم! فلما رأى الله جل وعلا صبرهما واستسلامهما فيما ابتلاهما، كشف عنهما ضرهما، وناداهما أرحم الراحمين: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ،  سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله  والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

نعم أيها المسلم الكريم إن قضاء الله تعالى لا يقابل بغير التسليم، وليس له عدة سوى الصبر الجميل، وإن من علامة الإيمان: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء، فالمسلم الحق هو الذي يفوض الأمر إلى الله ويسلّم الأمر إليه: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) أنني أدعو نفسي وأدعو المسلمين جميعاً في هذا اليوم المبارك، من خلال هذه القصة إلى التخلق بخلق الرضا بقضاء الله تعالى، وتسليم الأمر إليه سبحانه، وخاصة ونحن نعيش في زمن كثرت فيه الابتلاءات والمصائب، ومنا من لا يرضى بقضاء الله وقدره؟ ومن منا إذا ما نزلت بساحته المنايا لا يصبر؟ ومن منا إذا أصابته مصيبة تلفظ بكلام فيه اعتراض على أمر الله تعالى ونسي قول الله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فمن أراد أن يرفع الله عنه البلاء كما رفعه الله عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل فليرض بما قضاه الله تعالى عليه وليسلم أمره إلى الله تعالى وليكن شعاره كما قال القائل:

لا الأمرُ أمرِي ولا التّدبيرُ تدبيرِي

ولا الشّؤُونُ التّي تجــــرِي بتقدِيرِي

لي خالقٌ رَازقٌ ما شاءَ يفعلُ بِي

أحاطَ بي علمُهُ قبلَ تصـــويرِي

جاء في الأثر أن موسى عليه السلام سأل ربّه: (ما يُدني من رضاك؟! قال: إن رضاي في رضاك بقضائي). وهذا لقمان الحكيم يوصي ولده فيقول له: (أُوصِيكَ بِخِصَالٍ تُقَرِّبُكَ مِنَ اللَّهِ، وَتُبَاعِدُكَ مِنْ سَخَطِهِ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ لَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً. وَأَنْ تَرْضَى بِقَدَرِ اللَّهِ فِيمَا أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ). واعلم أن البلاء سُنَّة الله الجارية في خلقه؛ فهناك من يُبتلى بنقمة أو وباء أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة، فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البلاء، قال تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلائه، فيهون عليه الأمر، ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد الأمر سوءاً عليه. روي أنه كان في زمن حاتم الأصم رحمه الله رجل يقال له: معاذ الكبير، أصابته مصيبة، فجزع منها، وأمر بإحضار النائحات، وكسر الأواني، فسمعه حاتم فذهب إلى تعزيته مع تلامذته، وأمر تلميذًاً له، فقال: إذا جلست فاسألني عن قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) فسأله فقال حاتم: ليس هذا موضع السؤال. فسأله ثانياً، وثالثًاً. فقال: معناه: أن الإنسان لكفور، عداد للمصائب، نسَّاء للنعم، مثل معاذ هذا، إن الله تعالى متعه بالنعم خمسين سنة، فلم يجمع الناس عليها شاكراً لله عز وجل، فلما أصابته مصيبة، جمع الناس يشكو من الله تعالى؟!! فقال معاذ: بلى،

إن معاذًاً لكنود، عدّاد للمصائب نسّاء للنعم. فأمر بإخراج النائحات وتاب إلى الله عن ذلك الفعل… الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله  والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

وهذا عمران بن حصين رضي الله عنه، الصحابي الجليل الذي شارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أصابه شلل نصفي فرقد على ظهره ثلاثين عاماً حتى توفي وهو لا يتحرك، تخيلوا -عباد الله- ذلك؟! ثلاثون عاماً وهو -رضي الله عنه- نائم على ظهره لا يتحرك، لدرجة أنهم نقبوا له في السرير، أي: جعلوا فيه فتحة ليقضي حاجته لأنه لا يستطيع الحركة، فدخل عليه بعض الصحابة فرأوه فبكوا، فنظر إليهم وقال: لم تبكون؟! قالوا: لحالك، وما أنت عليه من هذا الابتلاء؛ فقال عمران بن حصين رضي الله عنه: (شيء أحبه الله أحببته، أنتم تبكون، أما أنا فراضٍ، أحب ما أحبه الله، وأرضى بما ارتضاه الله تعالى، وأسعد بما اختاره الله)، ثم قال لهم:

(والله أكون على حالي هذا فأحس بتسبيح الملائكة، وأحس بزيارة الملائكة، فأعلم هذا الذي بي ليس عقوبة، وإنما يختبر الله رضائي عنه، أشهدكم أني راضٍ عن ربي). هكذا أعلن هذا الصحابي الجليل عمران عن تسليمه لأمر الله تعالى، والرضا عن الله تعالى. نعم هكذا يا عباد الله كان لسان حالهم:

فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ

وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ

وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ

إذا صَحَّ منك الودّ فالكُلُّ هَيِّنٌ

وكُلُّ الذي فَوقَ التُّرابِ تُرابِ

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله  والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

بل هذا سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من مغاوير الصحابة، ورجالاتها الشداد، جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبلى بلاءً حسنًاً في ميادين القتال، قاد المسلمين إلى النصر في معارك كثيرة، أشهرها معركة القادسية، دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون مستجاب الدعوة، وقد كان يلجأ إليه الكثير من الناس كي يدعو لهم، فكان يدعو لهم، غير أن هذا الصحابي الجليل وهو أحد الُمبشرين بالجنة، وصاحب الدعاء المستجاب قد فَقَدَ بصره في آخر عمره، وقد سأله شاب أن يدعو الله أن يرد عليه بصره وهو مستجاب الدعوة: فكان جوابه جواب الراضي القانع بقضاء الله: قضاء الله أحب إليًّ من بصري، أفيرضاه الله لي ولا أرضاه لنفسي، والله لا أدعو.

الله أكبر، كلمات قليلة قالها سعد تحمل معنى عظيماً جدًّاً، لقد أحب هذا الصحابي ربه حبًّاً عظيماً حتى صار يحب العمى لأنه من عند الله! هو لم يفكر في فقد البصر، بل فكر من الذي ابتلاه بفقد البصر؟! الله، ولأنه يحب الله أحب قضاء الله، حتى وإن كان هذا القضاء هو (العمى). فيا ليتنا نتعلم من تلك الكلمات، يا ليتنا نستقبل كل بلاء أو مصيبة بهذه العبارة الرائعة التي قالها سعد: (قضاء الله أحب إليّ من البلاء الذي نزل بي). فالله دائماً يقضي لك الخير.. إن في الابتلاء من العبر وكنوز الحكم ما يشد عضد المؤمن المصاب؛ لأنه يسوق المؤمن لأكمل النهايات التي لم يكن ليعبرها إلا على جسر من الابتلاء، فظاهره امتحان وباطنه رحمة ونعمة وكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء!

يقول صلى الله عليه وسلم: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ ويقول: (إنَّ العبدَ إذا سبقتْ له من اللهِ منزلةٌ فلم يبلُغْها بعملٍ، ابتلاه اللهُ في جسدِه أو مالِه أو في ولدِه ، ثم صبر على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقتْ له من اللهِ عزَّ وجلَّ) فيا من ابتلاه الله بالمرض والوباء والمحن: اصبر وفوّض أمرك إلى الله، وتذكر أن الله هو الذي دفع البلاء عن إبراهيم وإسماعيل.

ويا من ابتلاه الله بفقد أمه أو أبيه أو إخوانه أو زوجته أو ولده وأحبابه: اصبر واحتسب وارضَ بما قدره الله لك، وتذكّر أن الله هو الذي لطف بإبراهيم وإسماعيل…

ويا من أصيب بعاهة ألزمته الفراش: اصبر وارضَ بما كتبه الله عليك وتذكّر أن الله هو الذي فرج عن إبراهيم وإسماعيل.

يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ

أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ

اليأسُ يَقْطَعُ أحيانًا بصاحِبِهِ

لا تَيْئَسَنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ

اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسرِ مَيْسَرَةً

لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ

إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بهِ

إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ

واللهِ مَا لَكَ غيرُ اللهِ مِن أحدٍ

فحَسْبُك اللهُ في كلٍّ لكَ اللهُ

اللهم اجعلنا ممن رضيت عنهم ورضوا عنك ورضوا بقضائك وصبروا على بلائك وشكروا نعماءك واجعلنا ومن نحب ممن يرثون جنانك.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. الحمد لله لم يزل بالمعروف معروفاً، وبالكرم والإحسان موصوفاً  ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له كل يوم هو في شأن ييسر عسيراً ويجبر كسيراً، ويغفر ذنباً ويرفع كرباً، ويغيث ملهوفاً ، ونشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله رفع الله ذكره تعظيماً، وأعلى في العالمين قدره تكريماً، وزاده محبة وتشريفاً، فأكرم به صادقاً أميناً عفيفاً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى والنحر، وإن من أعظم ما يؤدى في هذا اليوم هو بقية مناسك الحج لحجاج بيت الله الحرام، إضافة إلى الأضحية الشرعية للمسلمين جميعاً، قال تعالى: (فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ) وهي من شعائر الإسلام، والتي ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإن للمضحي بكل شعرة حسنة، وبكل صوفة حسنة، وهي سنة أبينا إبراهيم المؤكدة، ويكره تركها لمن قدر عليها، كما أن ذبحها أفضلُ من التصدق بثمنها، وتجزيء الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة والبقرة عن سبعة.. ويشترط في صحة الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام، وأن تبلغ السن المحدود شرعاً، وأن تكون خالية من العيوب، وأن يضحى بها في الوقت المحدد شرعاً، وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، ويشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق.

فانبذوا عباد الله عن أنفسكم الشح والبخل، وإذا عجزت يا عبد الله عن الأضحية، فاعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد ضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عن أمته، نسأل الله عز وجل أن يتقبل من المضحين ضحاياهم..

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

واعلموا رحمكم الله أن هذه الأيام الثلاثة المقبلة هي أيام التشريق، ويحرم صيامها، كما يحرم صيام يومي العيدين، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ) فأكثروا فيها من ذكر الله تعالى بالتكبير والتهليل والتحميد في أدبار الصلوات وفي جميع الأوقات.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اجْعَلُوا عِيدَكُمْ عِيْدَ مَحَبَّةٍ وَوِئَامٍ، وَصِلَةٍ للأقارب والأرحام، والأصدقاء والجيران، وَبُعْدٍ عَنِ الآثَامِ، فَتَزَاوَرُا وَلْيُهَنِّئْ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً، وَانْشُرُوا الْخَيْرَ! وَمَنْ كَانَ قَطَعَ رَحِمَهُ أَوْ هَجَرَ أَخَاهُ، فَلْيَكُنِ اليَوْمُ بِدَايَةً لِزَوَالِ الهَجْرِ وَمَحْوِ القَطِيعَةِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ فِي العِيْدِ مُقْبِلَةٌ وَالقُلُوبُ قَرِيبَةٌ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ لامرئ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) ولا ننس أن نذكر الجميع خصوصاً في هذه الأيام المباركة بالالتزام بالتعليمات والتوجيهات التي تصدرها الجهات المختصة في البلاد، حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين، والمتمثلة في الالتزام بالتباعد الاجتماعي والجسدي، وتجنب المصافحة باليد أو المعانقة أو تقبيل الآخرين، والاكتفاء بإلقاء التحية والسلام، وغسل اليدين بالماء والصابون باستمرار ولبس الكمام، إلى جانب تجنب الاختلاط  بالناس أو حضور المجالس العامة، ولزوم البقاء في البيوت وعدم الخروج إلا للضرورة وتفعيل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي نسأل الله تعالى في هذا العيد المبارك، أن يرفع ويدفع عنا البَلاءَ والوَباءَ والغلاء والرِّبا والفواحش والزَّلازلَ والمِحَنَ والفتن، وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ عن بلدِنا هذا خاصةً وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ والعالم عامةً يا ربَّ العالمينَ..

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم أحفظنا وبلادنا وجميع العاملين والمتطوعين في فريق البحرين الوطني من الأوبئة وسيء الأسقام والأمراض، ومن بالشفاء والعافية على المصابين به، وأحفظ الجميع منه وعجل بانتهاء هذه الجائحة والوباء في القريب العاجل وارزقنا الأمن والأمان والصحة والسعادة والاطمئنان يا سميع الدعاء.. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح قادتهم وعلماءهم وشبابهم وفتياتهم ونسائهم ورجالهم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان اللهم حرر الأقصى من أيدي الغاصبين، اللهم ارزقنا فيه صلاة طيبة قبل الممات يا رب العالمين…

اللهم اجعل عيدنا سعيداً، وعملنا صالحا رشيداً، اللهم أعد هذا العيد علينا وعلى بلادنا وعلى جميع المسلمين بالأمن والإيمان والاستقرار والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى…اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا انك أنت التواب الرحيم، واجعلنا من الذين (تجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

وكل عام وأنتم بخير.

   خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين